اعلم أن التوافقَ بين الأشياء كما يدل على أن الصانع واحدٌ أحدٌ، كذلك إن التخالف المنتظَم بينها، يدل على أن الصانع مختارٌ حكيمٌ. مثلا: توافقُ أفراد الإنسان بل الحيوان في أساسات الأعضاء. لاسيما التماثل في الأعضاء المثناة في الشخص برهان باهر على وحدة الخالق، وتخالفُها في التعيّنات والصور المتقنة آية نيّرة على اختيار الخالق وحكمته.

اعلم أن أظلم الخلق الإنسانُ. فانظر ما أشدَّه ظلما! فلشدة حبه لنفسه لا يعطي الأشياءَ قيمةً إلّا بمقدار خدمتها لنفسه، وينظر إلى ثمرتها بمقياس نفعها للإنسان، ويظن العلّةَ الغائية في الحياة عينَ الحياة. كلا، إن للخالق في كل حي حِكَما تدِقّ عن العقول. لِمَ لا يجوز أن يكون هذه الحيوانات القصيرةُ الأعمارِ والحوينات السريعة الزوالِ مباديَ ومساطرَ ومصادرَ وأساساتٍ ونواتاتٍ لغرائبَ مثاليةٍ وبرزخية وملكوتية وتجليات سيالة وترشحات وثمرات لتصرفات القدرة في الغيب؟..

........ (25)

اعلم أن الله بكمال قدرته صيَّر جميعَ ذرّات الكائنات عبيدا لشريعته الفطرية وأوامره التكوينية. فكما يقول للذباب كن هكذا، فيكون هكذا.. كذلك يقول بعين السهولة لجميع الحيوانات كونوا بهاتيك الصفات وبهاتيك الأشكال وبهاتيك الأعمار، فيكونون كما أُمروا بلا كلفة!

اعلم أن القوةَ والقدرة التي أخذت هذه الأجرامَ في قبضتها، ونظّمَتها كتنظيمِك فصوصَ الجواهر على مرآتك بيدك، لا تعجز عن شيء ولا تساعد لمداخلة شيء ما في دائرة تصرفها.

اعلم أنه كما لا ريب في اتحاد القطرة مع البحر في كونهما ماء، ومع النهر في كونهما من السحاب، واتحادِ شُميسة القطرة مع شمس السماوات، واتحادِ السمك مثل الإبرة مع السمك الذي يسمّى ب«بالينه بالغى» (26) في النوع، واتحادِ الحبَّة مع الصُبرة.. كذلك إن الاسمَ المتجلي على حُجيرة في جزء من الجزئيات متّحدٌ في المسمى مع الاسم المحيط بالكون من الأسماء


Yükleniyor...