ولاسيما: أنه يُشاهَد في جريان هذا العالم آثارُ سلطنةٍ محتشَمة في تسخير الشموس والأقمار والأشجار والأنهار، فيُعلم أن لمتصرف هذه الموجودات سلطنةً محتشمة في ربوبيةٍ معظمة؛ مع أن هذه الدار -بسرعةِ تحوّلها أو زوالها- كمنزلٍ في خانٍ أُعدّ للمسافرين، يُملأ ويُفرغ في كل يوم، وكميدانِ امتحان يتبدل في كل وقت، وكمَشهر أُحضِرَ لإراءة أنموذجاتِ غرائبِ صنعةِ صاحبِ الموجودات، ونمونات إحساناته. وهذا المشهر يتحول في كل زمان، مع أن الخلق والعِباد الذين هم كالرعية ومدار السلطنة اجتمعوا في ذلك المنزل، وهم على جناح السفر في كل آن، وحضروا ذلك الميدانَ مستمعين ناظرين بمقدارِ سؤالٍ وجواب، وهم على نية الخروج في كل زمان، وتوقفوا قليلا في ذلك المشهر وهم على قصد التفرق في كل وقت وأوان.

فهذه الحالة تقتضي بالضرورة أن يوجَد خلف هذا المنزل الفاني والميدان المتغير وبعد هذا المشهر المتبدل، قصورٌ دائمةٌ ومساكن أبدية وخزائنُ مفتحة الأبواب مشحونة من جيّدات أصول تلك الأنموذجات المغشوشات لتَقوم تلك السلطنة السرمدية المشهودة عليها؛ إذ من المحال أن يكون قيام هذه الربوبية المحتشمة بأمثال هذه الفانيات الوانيات (6)الزائلات الذليلات!

نعم، كما يَتفطن مَن له أدنى شعور إذا صادف في طريقه منزلا أعده ملِكٌ كريم في الطريق لمسافريه الذين يذهبون إليه، ثم إن الملك قد صرف ملايين الدنانير لتزيين المَنزل لتَنزُّهِ ليلة واحدة، ثم رأى أن أكثر المزينات صور وأنموذجات! ثم رأى المسافرين يذوقون من هذا وذلك للطعم (7)لا للشبع، إذ لا يشبعون من شيء، ويأخذ كل واحد ب«فُوطُوغْرَافِه» المخصوص صورَ ما في المنزل، ويأخذ خُدّامُ الملك أيضا صور معاملاتهم بغاية الدقة.. ثم رأى أن الملِك يخرّب في كل يوم أكثر تلك المزينات الغاليات القِيمةِ، ويجدد لضيوفه الجديدين مزيناتٍ أخرى.. ويَتفهم بلا شك أن لصاحب هذا المنزل المؤقت منازلَ عالية دائمة، وثروةً غالية مخزونة، وسخاوة عظيمة كريمة؛ وهو يريد أن يشوّق إلى ما عنده ويرغّبهم فيما ادَّخره لهم..


Yükleniyor...