وكما أنه كتاب دعاء وعبودية، كذلك هو كتاب أمر ودعوة. وكما أنه كتاب ذكر، كذلك هو كتاب فكر. وكما أنه كتابٌ واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية، كذلك هو كمَنزلٍ مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل، حتى إنه قد أبرز لمَشربِ كلِّ واحدٍ من أهل المشارب المختلفة، ولمسلَكِ كل واحدٍ من أهل المسالك المتباينة من الأولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين، رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المَشرب وتنويره، ولمَساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنه مجموعة الرسائل.

القطرة الثالثة

في بيان لمعة الإعجاز في تكرارات القرآن. (13)وفي هذه اللمعة ستة نقاط:

النقطة الأولى: اعلم أن القرآن لأنه كتابُ ذكرٍ وكتابُ دعاء وكتابُ دعوةٍ يكون تكرارُه أحسن وأبلغ بل ألزم. إذ الذكر يُكرَّر، والدعاء يُردَّد، والدعوة تُؤكَّد. إذ في تكرير الذكر تنوير، وفي ترديد الدعاء تقرير، وفي تكرار الدعوة تأكيد.

النقطة الثانية: اعلم أن القرآن خطاب ودواء لجميع طبقات البشر؛ من أذكى الأذكياء إلى أغبى الأغبياء؛ ومن أتقى الأتقياء إلى أشقى الأشقياء؛ ومن الموفقين المُجِدِّين الفارغين من الدنيا إلى المخذولين المتهاونين المشغولين بالدنيا. فإذن لا يمكن لكل أحد في كل وقتٍ قراءةُ تمام القرآن الذي هو دواء وشفاء لكل أحدٍ في كل وقتٍ. فلهذا أدرج الحكيمُ الرحيم أكثرَ المقاصد القرآنية في أكثر سُوَرٍ؛ لاسيما الطويلة، حتى صار كلُّ سورة قرآنا صغيرا، فسَهَّل السَبيلَ لكل أحدٍ. وينادي مشوِّقا: ﹛﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْاٰنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾|﹜ (القمر:١٧).

النقطة الثالثة: اعلم أنه كما أن الحاجات الجسمانية مختلفة في الأوقات؛ فإلى بعضٍ في كل آن كالهواء، وإلى قسم في كل وقتِ حرارةِ المعدة كالماء، وإلى صنفٍ في كل يوم كالغذاء، وإلى نوع في كل أسبوع كالضياء، وإلى طائفة في كل شهر، وإلى بعض في كل سنة كالدواء، كلها في الأغلب، وقس عليها.. كذلك إن الحاجات المعنوية الإنسانية أيضا مختلفة الأوقات؛ فإلى قسم في كل آن ك «هو» و«الله»، وإلى قسم في كل وقت ك«بسم الله»، وإلى قسم في كل ساعة ك «لا إله إلا الله» وهكذا فقس.

Yükleniyor...