يشتكون منّي في قبض الأرواح، فأُلقي إليه: إنّي أضع بينك وبينهم، وسائط المصيبات حتى يتوجّه شكواهم إليها لا إليكَ. (5)

الحاصل: إنّ العزةَ والعظمة تقتضيان وضعَ الأسباب الظاهرية لردّ الشكايات الباطلة، ولئلا يرى العقلُ الظاهريُ مباشرةَ يد القدرة بالأمور الخسيسة الجزئية. ولكن التوحيد والجلال يَردّان أيدي الأسباب عن التأثير الحقيقي.

تنبيه

إنّ التوحيد توحيدان:

الأول: توحيد عامي يقول: «لا شريك له، ليس هذه الكائنات لغيره» فيمكن تداخل الغفلات بل الضلالات في أفكار صاحبه.

والثاني: توحيد حقيقي يقول: «هو الله وحدَه، له الملك، وله الكون، له كل شيء» فيرى سِكّته (6)على كل شيء ويقرأ خاتمه على كل شيء، فيثبته له إثباتا حضوريا. لا يمكن تداخل الضلالة والأوهام في هذا التوحيد.

فنحن نُسمِعُكَ لمعاتٍ من هذا التوحيد التي استفدناها من القرآن الحكيم:

اللمعة الأولى

إنَّ للصانع جل جلاله على كل مصنوع من مصنوعاته سكّةً خاصةً بمن هو خالق كل شيء.. وعلى كل مخلوق من مخلوقاته خاتمٌ خاص بمن هو صانع كل شيء.. وعلى كل منشور من مكتوبات قدرته طغراءُ (7)غَرّاءُ لا تُقلَّد، خاص بسلطان الأزل والأبد.

مثلا: انظر مما لا يُعدّ من سكاته، إلى هذه السكة التي وضعها على «الحياة». انظر إلى الحياة كيف يصير فيها شيءٌ كلَّ شيءٍ. وكذا يصير كلُّ شيءٍ شيئا.

نعم، يصير الماءُ المشروب -بإذن الله- ما لا يُعد من أعضاءٍ وجهازاتٍ حيوانية، فصار شيءٌ بأمر الله كلَّ شيء. وكذا يصيرُ جميعُ الأطعمة المختلفة الأجناس -بإذن الله- جسما

Yükleniyor...